الثلاثاء، 3 مارس 2009

بعد فوات الأوان.

هذه القصة كتبتها منذ زمن لكنني اود سماع آرائكم الادبية عنها, ارجو ان تستمتعوا بقراءتها:)

"أتعلمين ؟ أنا الأحمق الذي اتصلت بكِ منذ البداية ... لا بل أنتِ اسمعي ... (ريم) إياك أن تملي عليّ ما أفعل سأغلق الخط و عودي أنت إلى زوجك و كأن شيئاً لم يكن!!"
ما إن أنهى (سالم) كلامه حتى قذف بسماعة الهاتف العمومي إلى مكانها بقوة جعلتها ترتد سقوطاً و تتأرجح في الهواء يميناً و يساراً, خرج من حجرة الهاتف و سار تحت ظلال الجدران المعتمة واضعاً يديه في جيوب معطفه و غضبه ما زال في أوجه, انعطف بعدها إلى أحد شوارع لندن الواسعة و صعد في سيارة صديقه (ناصر).
رمى بنفسه على المقعد الذي بجانب السائق و لم ينطق بحرف حتى سأله (ناصر) و هو يقود السيارة خارجاً من ذلك الشارع إلى شارع آخر:"ماذا جرى...؟!"
رد عليه (سالم) بعد برهة من بين أسنانه و هو يحدق إلى الظلام خلف نافذته:"ماذا تظن, تحدثت إلى شقيقتي البلهاء و كالعادة لو تحدثت إلى الحجر لكان ألطف و أرق منها!!"
ألقى (ناصر) عليه نظرة جانبية و قال و هو يحاول أن يكون صوته هادئاَ:"إنسى الأمر... إنسى الأمر فحسب"
نظر اليه (سالم) ثم أعاد بصره إلى خارج النافذة و قال:"إلى أين نذهب.؟!"
رد (ناصر) بسرعة:"إلى أين تريد الذهاب.؟!"
رد عليه بابتسامة ذات معنى:"لنذهب لتلك الحانة التي يملكها والد صديقك.. ذكرني باسمه ثانية"
"(دوقلس)"
"أجل, هذا هو"
رد عليه (ناصر) مع علامات ذهولٍ طفت على ملامحه الجادة:"ظننتك لا تحب مثل هذه الأماكن, ما الذي غير رأيك.؟, لا أظنها أختك صحيح.؟,اسمع صحيح أن أوضاع أسرتك ليست على ما يرام هذه الأيام و خصوصاً بعد وفاة والدك رحمه الله لكن..."
قاطعه (سالم) بعد أن رفع رأسه إلى الوراء مطلقاً ضحكةً عالية قصيرة:"كلا لا تقلق كل مافي الأمر أنني أريد أن أقضي وقتاً صاخباً في آخر يومٍ لي هنا"


,,,



ما إن حطت الطائرة على أرض الوطن حتى شعر (سالم) بألم يمزق معدته, لم يكن يكره وطنه بل على العكس كان من الشباب ذوي الروح الوطنية العالية, لكن ما كان يقلقه هو أخته, فبعد وفاة والدته كان الأمر هيناً بوجود الأب فقد كان وجوده ينسيهما ألم فقدانها, لكن ما إن توفي والده حتى تحول المنزل إلى مقبرة ينعق فيها البوم!.
أما أخته مع العلم بأنها متزوجة و بقدر واسع من التعليم إلا أنها بتفكيرها السلبي تحب إملاء كل صغيرة و كبيرة على أخيها الذي يصغرها بعامين, و هذا يجعل حياته ببساطة جحيماً لا يطاق من وجهة نظره!.
توقف (ناصر) بسيارته أمام منزل(سالم) و حدقا كليهما إلى المنزل, مرت دقائق حتى قال (ناصر):"إن أردت يمكنك أن تبيت في منزلي هذه الليلة لتتجنب أسئلة أختك التي لا حصر لها"
ضحك (سالم) بإستهزاء و قال:"هل تمزح!!! بهذه الطريقة ستتضاعف أسئلتها و سيحكم علي بالنهاية بالحبس الانفرادي مع الاعمال الشاقة و لن أطيق الحياة و سأنتحر بلا شك"
ضحكا معاً حينها رن هاتف (ناصر) و اذا بها والدته تسأله عن مكانه و أنها مشتاقة إليه, تركه (سالم) و خرج من السيارة لينزل حقيبته من الصندوق, وضع الحقيبة عند بوابة منزله و عاد لصديقه و قال له:"شكرا على إيصالي و اعذرني على المتاعب التي سببتها لك"
رد عليه بغضب:"أي متاعب؟ أنت أخي الذي لم تلده أمي... آه صحيح اقترحت علي أمي اقتراحاً للخلاص من مشاكل أختك إلى الأبد"
"أحقاً! و ما هو؟"
"الزواج...الزواج هو الحل الوحيد , و تقول أمي بأنها وجدت زوجة مناسبة لك تماماً"
ضرب (سالم) كفه على باب السيارة مع إبتسامة جانبية و قال:"الى اللقاء"
سأله بسرعة متداركا إياه:"لماذا؟! ألا تبدو فكرة جيدة و في النهاية ستتزوج عاجلاً أم آجلاً"
رد عليه و هو يحمل حقيبته:"انس الأمر لن أخرج من مصيبة لأقع بأخرى... أراك غداً على موعدنا"
ما إن دخل (سالم) إلى المنزل حتى وجد أخته و زوجها يتناولان العشاء, فتح (سالم) فمه ليلقي التحية فقاطعته (ريم):"أين كنت لقد تأخرت.."
قاطعها زوجها بحزم:"كفى دعيه يرتاح أولاً كم مرة سأكرر كلامي"
أشاحت (ريم بوجهها بعيداً ممتعضة, حينها قال زوجها لـ(سالم):"تعال و تناول معنا العشاء"
ضحك (سالم) ضحكة مكتومة و قال و هو يتجه إلى غرفته في الطابق العلوي:"شكرا لك على كرمك لكنني منذ الغد لن ترونني إلا في الأعياد و المناسبات الرسمية الملحة فقط, و بالتأكيد تتساءلون كيف؟ سأقول لكم بما أنني فوق السن القانوني سآخذ نصيبي من الإرث و سأفتح شركتي الخاصة و سأجوب العالم بحثاً عن الاستثمار و الحياة الهادئة, أجل من دون سماع صوتك أختاه,و شكرا على ضيافتكم لي ,تصبحون على خير"

,,,



بعد مرور أكثر من عشرين عاماً, ما زال (سالم) على عناده يكره سماع صوت أخته و يضن بأنها مصدر ألم كبير له حتى و هو بعيد عنها و رغم كل محاولاته للمحافظة على ذلك البعد إلا أنه يتلقى اتصالات و رسائل منها على الدوام.
في أحد الأيام الصيفية الجميلة في الصين كان (سالم) غارقاً بالعمل حتى النخاع يوقع عقوداً مع شركة ما, و إذا بهاتفه الخاص يرن و كان (ناصر), رد عليه بنفاذ صبر:"ناصر رجاءً أنا مشغول سأحادثك لاحقاً"
"حسناً أردت تعزيتك فحسب على وفاة أختك"
"عفواً" حينها تساقطت الأوراق من بين يديه و شعر بجفاف شديد في حلقه و قال:"أعد ما قلته"
"أردت تعزيتك على وفاة أختك ما الأمر يا (سالم) هل أنت بخير؟"
بعد أن أنهى المكالمة طلب من مساعدته أن تحجز له مقعداً بأول طائرةً متجهة إلى الكويت أياً كانت, بعد وصوله اتجه فوراً مع صديقه إلى المقبرة و حكى له صديقه في الطريق عن الحادث المؤلم الذي سبب وفاتها.
وقف أمام قبرها و الدموع تتساقط رغماً عنه, ثم جلس على ركبتيه و دموعه تنهمر على وجنتيه:"أسف يا أختي أرجوك سامحيني كنت قاسياً معك أرجوك"
لم يستطع الكلام أكثر من ذلك, حينها ربت (ناصر) على كتفه و هو يقول:"لا عليك... لا يجوز عليها الآن إلا الرحمة و مهما كانت -رحمها الله- تظهر لك من القسوة فقد كانت تحبك. هيا انهض يمكنك أن تبني لها مسجداً أو شيئاً من هذا القبيل و ستستفيد منه في الحياة الآخرة ... صدقني"
حينها نهض (سالم) و مسح دموعه ثم قال:"سأدخل أبناءك إلى أفضل المدارس و الجامعات و سيتعلمون أفضل تعليم و ستكونين فخورةً بهم و أعدك بأنني سأزورك كل أسبوع"
قاطعة(ناصر):"ماذا عن عملك كيف ستزورها؟!"
رد بعد برهة:"سأنقل عملي الى هنا و لن اسافر الا للحالات الطارئة و لن يتعطل عملي بوجود وكلائي"
و أردف و هو ينظر الي (ناصر) نظرةً ذات معنى :"ما رأيك يا صديقي بأن تبحث والدتك لي عن زوجة مناسبة, إن لم يكن لديها مانع طبعاً"
ضحك (ناصر) و قال و هو يحيط صديقه بذراعه:"ستسر بذلك بلا شك و الآن دعنى نصلي على جثمان شقيقتكِ"